ارتفاع غير مسبوق لجرائم القتل في تونس.

المغربية تيفي 24 حياة الغانمي تونس 🇹🇳
تحذيرات من أزمة اجتماعية حادة ودعوات لإيجاد حلول فعالة تواترت الجرائم بشكل ملحوظ في تونس خلال الفترة الاخيرة، فقبل أسبوع تم العثور في مدينة منوبة على جثة محروقة لمحامية معروفة، تم على إثرها الاحتفاظ بثلاثة متهمين في الجريمة من ضمنهم ابنها وطليقها.وفي أكودة من ولاية سوسة أدى شجار جدّ بين صديقين إلى عنف شديد بواسط آلة حادة ليفارق أحدهما الحياة.وفي المدينة نفسها أسفرت عملية سطو (براكاج) مرفوقة باعتداء وطعن عن وفاة شاب في مقتبل العمر متأثرا بإصاباتة.وكان الشاب قد تعرّض لطعنات بآلة حادة من قبل أحد المنحرفين أثناء محاولة سلبه تحت التهديد بالأسلحة البيضاء.أما في ولاية نابل فقد قتل شخص بعد الاعتداء عليه بواسطة سيف من قبل شاب آخر.وفي ولاية توزر، أقدم زوج على قتل زوجته بعد أن أضرم النار في جسدها، بسبب خلافات بينهما، كما قتل زوج زوجته في محافظة منوبة وأصاب ابنتها، إثر خلاف عائلي.وقبل شهر، كشفت التحقيقات الأمنية أنّ طفلا (هارون/4 سنوات) قُتل على يد ابن عمته البالغ من العمر 20 عاما بمشاركة قاصر لم يتجاوز عمره الـ14 عاما وذلك بعد أن اعتديا عليه جنسيا.وهي جريمة مروعة هزت البلاد وفجرت موجة غضب شعبي وأعادت النقاش مجددا حول عقوبة الإعدام.وفي منطقة باب سويقة وسط العاصمة تونس تم إلقاء القبض على “برباش” بشبهة التورط في جريمة قتل حارس مأوى عشوائي على إثر خلاف حادّ جدّ بينهما.أمّا في قابس فُفجع المتساكنون بمقتل شابة على يد صديقتها بعد خلاف جدّ بينهما في منزل على وجه الكراء لتقوم الشرطة بحجز سكين وهو أداة الجريمة وصفيحة من الأقراص المخدّرة. وفي مدينة ماطر التابعة لولاية بنزرت قتل زوج زوجته بعد أن سدد لها عدة طعنات بسكين إثر خلاف جد بينهما حول مصاريف المنزل.المخدرات سبب رئيسي وحول التزايد المخيف لجرائم القتل في تونس، شدّدت الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي على أنّ “حجز كميات كبيرة من المخدرات قبل أيام يفسر ارتفاع معدّل الإجرام والقتل في البلاد”.حيث تمكّنت الوحدات الأمنية التابعة للحرس الوطني، خلال شهر ابريل المنقضي من تفكيك شبكة دولية تنشط في مجال ترويج المواد المخدرة، وحجز أكثر من مليون و200 ألف قرص مخدر من نوع “إكستازي” بقيمة تتجاوز 40 مليون دينار، وفق ما أكّده المتحدّث الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني العميد حسام الدين الجبابلي.وأوضحت الباحثة في علم الاجتماع أننا أمام معادلة فكلما “ارتفع استهلاك المخدرات زادت نسب الجرائم في تونس”.وتابعت أنّ “هذه الممنوعات تذهب العقل وتغيّب التركيز وتؤدي إلى جرائم قتل مروعة”.واعتبرت الجلاصي أنّ “العامل الاقتصادي مهم جدّا عند الحديث على تفاقم ظاهرة القتل والجرائم في المجتمع، فهو يولّد هذه النزعة ذلك أنّ الدخل الخام للمواطن التونسي لا يتطابق مع القدرة الشرائية التي تشهد تراجعا كبيرا مرفوقة بشطط الأسعار وتزايد متطلبات الحياة”.وأردفت أنّ “بعض الرجال تخلّوا عن أدوارهم داخل أسرهم وأصبحت العلاقات بين الأزواج مادية بالأساس ما يولّد خلافات حادة تصل عند البعض إلى حدّ العنف والقتل”.وأضافت في السياق ذاته، أنّ “الأرقام تشير إلى تصاعد ظاهرة قتل النساء من قبل أزواجهن نتيجة الادّعاء بأن المرأة مسّت من كرامته ورجولته جراء عدم الإيفاء بالتزاماته المادية وتسديد نفقات الطلاق ما يدفعها إلى التوجه إلى القضاء وهو ما يرفضه البعض رفضا قاطعا فيؤدي بهم الأمر إلى العنف وفي حالات أخرى إلى القتل”.ولفتت المتحدّثة أيضا إلى أنّ “مواقع التواصل ساهمت في تعميق الأزمة سيما بعد تفاقم ظاهرة ما يعرف بالخيانات الفيسبوكيّة من الطرفين سواء المرأة أو الرّجل”.وزادت: “عوض معالجة المشاكل بينهما والمتمثلة أساسا في البرود العاطفي أو الجنسي يعمد البعض إلى التعنيف في ظلّ غياب الحوار، وبالتّالي فإنّ مؤسسة الزواج أصبحت تفهم بمفاهيم مغلوطة”.وأضافت أنّ “التونسي أصبح يعيش ضغطا كبيرا وكآبة نتيجة العوامل المذكورة ويرى البعض في المخدرات سبيلا للتخفيف من وطأة ذلك ما يدفع بهم إلى الإدمان وبالتالي إلى الانحراف والانجرار وراء أفعال إجراميّة”.وشدّدت الجلاصي على ضرورة المحاسبة والعقاب وعلى أهمية الرّقابة الأمنية على الممنوعات.ودعت إلى بناء إستراتيجية كاملة تبدأ من مؤسسات الدولة ومن المحاضن والمدارس والمعاهد وتنتهي بالإعلام ومؤسسات التأثير الاجتماعي.وقالت: “يجب أن تكون الدولة صارمة في مسألة الجرائم ويجب أن يكون الردع أكبر من ذلك” .استبطان العنفمن جانبها، ترى الباحثة في علم الاجتماع فاتن مبارك أنّ “فقدان الأسرة دورها الرقابي والتربوي للأفراد والتنشئة الاجتماعية ساهم أيضا بشكل مباشر أو غير مباشر في ارتفاع منسوب العنف لدى الأفراد”.وقالت: “يتم عبر التنشئة الاجتماعية التقليدية استبطان العنف وتشكّله سواء في العنف الأسري أو الزوجي أو ضد المرأة نتيجة الهيمنة الذكورية وتمريره للناشئة عن طريق قنوات التنشئة الاجتماعية ما يرفع من منسوبه”.و أضوضحت انّ “آخر الإحصائيات تفيد أنّ منسوب العنف والجريمة في تونس تزايد منذ 2011 في ظل غياب حضور الدولة بالمعنى الرّمزي للعبارة باعتبارها من تضع حدود الجريمة في المجتمع وأصبح الأفراد يبحثون عن حلّ لنزاعاتهم بطريقة فردية وعدم ثقتهم في عدالة القانون يدفع بهم إلى اللجوء إلى حلول فردية تصل بهم إلى حدّ ارتكاب الجريمة”.واعتبرت أنّ “مشاهد العنف في المسلسلات ومختلف المواد الإعلامية والرقمية أثّرت بشكل كبير في استبطانه (العنف) من قبل المراهقين والشباب ليظهر من خلال سلوكاتهم”.ولفتت إلى أنّ تزايد ثقافة الربح السريع التي تبرز خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي على غرار الانستغرام والتيك توك، مثلت دافعا لممارسة العنف.وقالت: “نعيش في حالة فوضى تعرف في علم الاجتماع “بافعل ما يحلو لك” وبالتالي فقدان الضمير الجمعي الذّي يذكر دائما بوجود الدولة والعقاب وأنّ الحقوق لا تؤخذ بالعنف وإنما هناك قنوات تؤسس لمفهوم العدالة”.وأشارت كذلك إلى عدم ثقة الأفراد في وجود قناة تعْدل بينهم جعلت المجتمع يلجأ إلى ممارسة العنف بشكل مباشر ويومي على أبسط الأشياء وأنّ إعادة بناء هذه القاعدة (الثقة) يتطلّب سنوات.وزادت: “في المجتمعات المتقدمة تقاس التنمية بمنسوب الثقة في الفضاء العمومي والدولة الضامنة للحقوق.مرحلة الثقافة العنيفةمن جهته افاد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، سامي بن ناصر، أن ارتفاع معدلات جريمة القتل وتصدرها أخبار الإعلام ونقاشات مواقع التواصل في الفترة الأخيرة، هو نتيجة الوضعية الهشّة التي وصل لها المجتمع التونسي منذ الثورة، والتي فقد خلالها ما يمكن أن يسمّى بـ”الوسائل الدفاعية الاجتماعية”، وهو ما أدّى إلى إفراز ظواهر إجرامية أكثر خطورة.كما أضاف أن المجتمع التونسي تجاوز خلال الفترة الأخيرة كل مراحل الجريمة ودخل إلى مرحلة الثقافة العنيفة، بسبب الانتشار الواسع للعنف واقتحامه لكل مؤسسات المجتمع، كالأسرة والشارع والملاعب وأماكن العمل والمؤسسات التربوية و المستشفيات وحتى أماكن العبادة، إضافة إلى وجود تطبيع مع الجريمة في ظل غياب الردع والاستنكار المجتمعي، وشرعنة وتبرير للعنف في بعض الأحيان.وقال إنّ أحد أهم أسباب ارتفاع الجريمة، يعود كذلك إلى انتشار اللغة العنيفة في المجتمع التونسي وتحوّلها إلى لغة مستعملة حتى في الأغاني الشعبية وتغطية المقابلات وداخل الأسرة، إلى جانب غياب وضعف القانون الردعي.إلى ذلك خلّص بن نصر، إلى أن الأوان حان لدق ناقوس الخطر قبل حدوث أزمة اجتماعية حادة ستعصف بالمجتمع، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وجريئة، وتمّ الابتعاد عن الشعارات الفضفاضة والتحركات الظرفية، ووضع خطة إستراتيجية لمجابهة الظواهر الإجرامية المستفحلة في البلاد.يذكر أنه وفقا لمؤشر قياس الجريمة في قاعدة البيانات (نامبيو) لعام 2024، احتلت تونس المركز العاشر عربيًا، والـ53 عالميا بنسبة 47.6 لكل 100 ألف نسمة، ما يعني أن معدل جرائم القتل تضاعف في تونس بأربع مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة